ذكرى المسيرة الخضراء.. تخليد لحدث نوعي في مسار تحقيق الوحدة الترابية
الداخلة مباشر-و.م.ع
يحتفل الشعب المغربي، يوم غد السبت، في أجواء من الحماس الفياض، والتعبئة المستمرة، واليقظة الموصولة حول قضية الوحدة الترابية، بالذكرى الـ46 للمسيرة الخضراء المظفرة، التي مكنت الشعب المغربي من استرجاع أقاليمه الجنوبية.
وذكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في مقال لها، أن هذا الحدث الجيلي والنوعي، الذي أبدعته عبقرية جلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراه، وانطلقت فيه جماهير المتطوعين من كل شرائح المجتمع المغربي سنة 1975 صوب الأقاليم الجنوبية لتحريرها من براثن الاستعمار الإسباني، يجسد أروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي، من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية المقدسة.
وقد أظهر هذا الأسلوب الحضاري السلمي الفريد من نوعه، للعالم أجمع، صمود المغاربة وإرادتهم الراسخة في استرجاع حقهم المسلوب، وعزمهم على إنهاء الوجود الأجنبي والاستيطان الاستعماري، حيث حققت المسيرة الخضراء المظفرة أهدافها، وحطمت الحدود المصطنعة بين أبناء الوطن الواحد، مستندة إلى كتاب الله، والدفاع عن حمى الوطن وحياضه، والتمسك بالفضيلة وبقيم السلم والسلام في استرداد الحق المسلوب والذود عنه.
والواقع أن المغرب قدم تضحيات جسام في مواجهة الاحتلال الأجنبي، الذي جثم بثقله على التراب الوطني قرابة نصف قرن وجعل مهمة تحرير التراب الوطني صعبة وعسيرة، حيث بذل العرش والشعب الغالي والنفيس في غمرة كفاح وطني متواصل الحلقات، طويل النفس، ومتعدد الأشكال والصيغ، لتحقيق الحرية والاستقلال والوحدة والخلاص من ربقة الاستعمار المتحالف ضد وحدة المغرب.
وتحقق النصر المبين، والهدف المنشود بانتصار الشرعية والمشروعية التاريخية، وعودة بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، والأسرة الملكية الشريفة من المنفى يوم 16 نونبر 1955، حاملا لواء الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية، وداعيا إلى مواصلة الجهاد الأصغر بالجهاد الأكبر من أجل بناء وإعلاء صروح المغرب الجديد الناهض والمتقدم.
وهكذا، شكلت نهاية عهد الحماية بداية لملحمة الجهاد الأكبر الاقتصادي والاجتماعي وإعلاء صروح الوطن، الذي كان من أولى قضاياه تحرير ما تبقى من تراب المملكة من نير الاحتلال.
وفي هذا المضمار، كان انطلاق عمليات جيش التحرير بالأقاليم الجنوبية سنة 1956 لاستكمال الاستقلال الوطني وتحرير الأجزاء المغتصبة من التراب الوطني، واستمرت مسيرة التحرير بقيادة بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس، بعزم قوي وإرادة صلبة ليتحقق استرجاع إقليم طرفاية في 15 أبريل 1958.
وواصل المغرب في عهد جلالة المغفور له الحسن الثاني نضاله، فاسترجع مدينة سيدي إفني يوم 30 يونيو 1969، وتكلل سعيه بالمسيرة التاريخية الكبرى ليوم 6 نونبر 1975، حيث كان النصر حليف المغاربة، وارتفعت راية الوطن خفاقة في سماء العيون في 28 فبراير 1976، إيذانا بانتهاء فترة الاحتلال والوجود الأجنبي بربوع الصحراء المغربية، وتلاها استرجاع إقليم وادي الذهب في 14 غشت 1979.
واستمرت ملحمة صيانة الوحدة الترابية لإحباط مناورات خصوم الوحدة الترابية للمملكة، تحت قيادة باعث النهضة المغربية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، إذ يقف المغرب، اليوم، ثابتا في الدفاع عن حقوقه المشروعة مبرزا، بإجماعه التام، استماتته في صيانة وحدته الترابية، ومؤكدا للعالم أجمع إرادته القوية وتجنده الموصول دفاعا عن مغربية صحرائه، ومبادرته الجادة لإنهاء النزاع الإقليمي المفتعل بالمنطقة المغاربية الذي طال أمده جراء تعنت وعناد خصوم الوحدة الترابية والمناوئين لحقوق المغرب على أراضيه المسترجعة.
ويأتي القرار رقم 2602 الصادر عن مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، بخصوص قضية الصحراء، وهو قرار تم اعتماده بأغلبية 13 صوتا بينهم أربعة دول كبرى من الأعضاء الدائمين في المجلس، في مقابل امتناع دولتين فقط عن التصويت هما روسيا وتونس، كتتويج للانتصارات الدبلوماسية التي حققها المغرب، خاصة ما يتعلق منها بتقلص عدد الدول المعترفة بشرعية الكيان الوهمي، وإعتراف الولايات المتحدة الأمريكية الصريح بمغربية الصحراء، فضلا عن العملية البطولية السلمية الناجحة للقوات المسلحة الملكية من أجل تأمين معبر الكركرات لضمان استمرارية الحركة التجارية نحو البلدان الإفريقية جنوب الصحراء.
وتتجلى أهمية القرار الجديد لمجلس الأمن، كذلك، في تأكيده على أهمية المبادرة المغربية للحكم الذاتي كإطار واقعي وعملي وذي مصداقية كأفق وحيد لتسوية ملف الصحراء، إضافة إلى تعبير مجلس الأمن عن انشغاله العميق من إعلان +البوليساريو+ رسميا خرقه لاتفاقات وقف إطلاق النار، في مقابل تجديد المغرب لتمسكه بالتزاماته.
علاوة على ذلك، اعتبر القرار الأممي الجزائر طرفا رئيسيا مسؤولا في هذا النزاع المفتعل، حيث وردت الجزائر خمس مرات مثل المغرب، كما أكد أن المفاوضات من خلال الموائد المستديرة بمشاركة كل الأطراف هي الآلية الوحيدة لتدبير مسلسل الوصول إلى الحل الواقعي والمتوافق عليه.
وفي هذا الإطار، و”استحضارا منها لهذه الملحمة التاريخية الغنية بالدروس والدلالات والقيم”، تجدد أسرة المقاومة وجيش التحرير التأكيد على موقفها الثابت من قضية الوحدة الترابية بالتأكيد على مغربية الصحراء، والإعلان عن وقوفها ضد مناورات خصوم الوحدة الترابية للمملكة، ومخططات المتربصين بسيادة المغرب على كامل ترابه المقدس الذي لا تنازل ولا مساومة في شبر منه.
وأكدت المندوبية، في مقالها، أن المغرب “سيظل متمسكا بروابط الإخاء والتعاون وحسن الجوار والسعي في اتجاه بناء الاتحاد المغاربي وتحقيق وحدة شعوبه، إيمانا منه بضرورة إيجاد حل سلمي واقعي ومتفاوض عليه لإنهاء النزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية، وفي هذا النطاق تندرج مبادرة منح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الصحراوية في ظل السيادة المغربية”.
كما أعلنت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير عن تنظيم مهرجان خطابي رمزي، اليوم الجمعة بالرباط، ستلقى خلاله كلمات وعروض وشهادات حول هذا الحدث التاريخي الجيلي والنوعي، “الزاخر بالدروس والعبر والطافح بقيم الوطنية الحقة والمواطنة الايجابية والباعث على الاعتزاز بالانتماء الوطني والتمسك بالهوية المغربية”.
وأشارت إلى أنه سيتم، أيضا، تكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، جريا على التقليد الموصول، وترسيخا للسنة المحمودة، برورا وعرفانا برجالات المغرب الأبرار الذين أخلصوا للوطن وأسدوا وضحوا ذودا عن حريته واستقلاله ووحدته الترابية.
وأضافت المندوبية أنه ستقام في سائر جهات وعمالات وأقاليم المملكة أنشطة وفعاليات بالمناسبة تشرف عليها النيابات الجهوية والإقليمية والمكاتب المحلية وفضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير، من ندوات ومحاضرات حضورية وعن بعد، بما فيها عرض إصدارات المندوبية، وتنظيم زيارات استطلاعية وتفقدية لفائدة الفئات العمرية على اختلافها لفضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير البالغ تعدادها 95 وحدة-فضاء في كافة جهات وعمالات وأقاليم المملكة.